قراءة أولية لنتائج انتخابات لبنان 2018 وآفاق المستقبل.

 

I.

وقائع ومؤشّرات

 

من الطبيعي جداً قراءة هذه الانتخابات من زاوية  "الطائفية السياسية".. ليس فقط لأن التمثيل النيابي في لبنان ما زال على قاعدةٍ طائفية – مذهبية، بقانونٍ يراعي هذه القاعدة، بل أيضاً وخصوصاً لأن القانون الجديد الذي جرت الانتخابات على أساسه هو الأشدُّ طائفيةً ومذهبيةً في تاريخ لبنان الحديث، والأهم من ذلك أن القوى السياسية الكبرى في البلاد – من دون استثناء – خاضت هذه المعركة من واقع "انكفاء على ذواتها الطائفية والحزبية، وبأولويّات لا تخرج عن هذا الإطار"! فحتى انتخابات العام 2009 الأخيرة كان هناك قوى تحاول أن تكون عابرة للطوائف والمناطق، وبحدٍّ أدنى من رؤيةٍ سياسية على المستوى الوطني (المثال الأبرز: المواجهة السياسية بين لقاءَيْ 14 و 8 آذار ما بين 2005 و 2009). أما هذه المرة فالأولوية المطلقة كانت للحفاظ على " الذات السياسية – الطائفية – المذهبية – الحزبية". وإذا كان هنالك من محاولات لـ" العبور"، فإنما حصلت بذهنية "الغزو" وليس بذهنية الأفق الوطني الواسع. وفي مثل هذه الحالة فإن عمليات "الغزو/ الاختراق" لم تُنتج – وما كان من شأنها أن تنتج – سوى "طوابير خامسة" من هنا أو هناك، لا تُقدّم ولا تؤخر في الاتجاه العام الذي فرض نفسه على مُجمل المعركة.

أولاً – وقائع المعركة ومؤشراتها في البيئة الشيعية:

 

● حصل الثنائي الشيعي (أمل – حزب الله) على (26) مقعداً للطائفة الشيعية في البرلمان اللبناني من أصل (27)، وخسر مقعداً واحداً في دائرة جبيل – كسروان لصالح مرشّح مستقلّ (مصطفى الحسيني)، شقيق رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني الذي انسحب من المعركة اعتراضاً على قانون الانتخابات – بحسب تصريحه – والأرجح لعدم تمكّنه من تشكيل لائحة بتحالفات وازنة.

● والدلالة الأساسية لوضع الرئيس الحسيني في هذه الانتخابات هي أن الثنائي الشيعي لم يترك له هذه المرة هامشاً من الاستقلالية الشكلية (عادةً ما يرغب فيه)، كما أن موقفه الانسحابي يدلّ بوضوح على عدم رغبته في التحدّي، أي أنه استمرّ على عادته في السنوات الماضية... يُشار أيضاً إلى أنه من غير المتوقَّع تموضع النائب مصطفى الحسيني في مواجهة الثنائي الشيعي، رغم كونه محسوباً على صداقة النائب السابق فارس سعيد. وذلك بسبب قُربه من الرئيس برّي، فضلاً عن أن البيئة الشيعية الجبيلية في هذه المرحلة لا تُتيح له "المعاندة"، إلا في حدود الهامش المُتاح لنبيه برّي في إطار الثنائية.

● إنّ أبرز ما ميّز معركة الثنائية الشيعية، لناحية الخطاب السياسي الانتخابي، هو تشديدُها على أهمية بل ضرورة حصولها على تفويضٍ حصري للتمثيل الشيعي في البرلمان، بهدف "مُعلن" هو أن حصرية التمثيل هذه تشكّل "الضمانة" الأكيدة للطائفة الشيعية في المعادلة اللبنانية وبمواجهة احتمالات المنطقة التي تنام على شيء وتصحو على شيء آخر (قضية وجودية ومصيرية).. وعندما نصف هذا الهدف بالعلنية، فذاك لأنه حضر باللفظ الصريح في الخطاب التعبوي للثنائية.

● من هنا تراجُعُ الخطاب الأيديولوجي (ولاية الفقيه والجمهورية الإسلامية – مع بقاء صيغة "التكليف الشرعي السياسي" عملياً) وحتى الخطاب المقاوماتي – الممانِع، لحساب الخطاب التعبوي المذهبي والدفاعي عن الذات (الخطابان الأيديولوجي والمقاوماتي هما في الأصل وفي المرحلة السابقة خطابان هجوميان في إطار أطروحة الإسلام السياسي الإيرانية). وقد ظهر الطابع الدفاعي الانكفائي من خلال مؤشرين عمليين: الأول رفض حزب الله تبنّي أي مرشّح غير حزبي على لوائحه (خلافاً لوجود مستقلين نسبياً على لوائح "أمل")، والثاني نزول حسن نصرالله بنفسه، من عِليائه الافتراضية والهيلمانية، إلى خطاب التحريض المذهبي الشارعي، بحيث بدا مجنّداً ومجنِّداً في ماكينة انتخابية!... ومع "المبالغات" التي هبط إليها حزب الله (من التحريض المذهبي السافر، إلى هجوم الحشود الشعبية على بعض مراكز الاقتراع في ربع الساعة الأخيرة لتأمين نجاح بعض المرشحين – جميل السيّد مثلاً – إلى غزو "بيروت السنّية" بالمواكب الاستفزازية غداة الانتخابات...).. مع تلك "المبالغات" حاول نبيه برّي أن يبدو "معتدلاً ومتعقّلاً" بامتياز!..وتجدر الاشارة هنا إلى أن هذه المعركة الانتخابية أكّدت مجدداً حاجة حزب الله الماسّة إلى نبيه برّي، بوصفه "إطلالة لبنانية" من موقعٍ شيعيّ مصادَر ايرانياً..

بطبيعة الحال فإن لهذه "الحاجة المتبادَلة" بين طرفي الثنائية شروطاً وحدوداً معلومة. فهي إذ توفّر لحزب الله خطاً دفاعياً لا يوفّره التزامه الايراني الصارم، فإنها توفّر لنبيه برّي هامشاً من التمايز يتيح له مخاصمة حليف حزب الله الأول (ميشال عون)، مثلما يُتيح له قدراً من الانفتاح على خصميّ حزب الله الرئيسين: سعد الحريري ووليد جنبلاط.

● إذا قلنا بأن الثنائية الشيعية قد نجحت مجدداً في احتكار التمثيل الشيعي البرلماني، لغايةٍ معلَنة ومجاهَر بها في الخطاب التعبوي الانتخابي، هي "حماية السلاح غير الشرعي بشرعية برلمانية"، ما جعل خطابها السياسي وسلوكها العملي يهبطان إلى مستوى التحريض المذهبي والدفاعي، فإن خطاب وأداء القوى الطائفية الأخرى لم يكن أفضل من ذلك، بل ترسّم خطى حزب الله في هذا المجال، بحيث بدا الحزب "كبيرهم الذي علّمهم السحر!".

● تبقى ملاحظة أخيرة وأساسية حول المعركة الشيعية انتخابياً، وهي أن "قانون النسبية"، الذي زِيّن واضعوه للبنانيين بأنه يعطّل "المحادل الأكثرية" ويُتيح اختراقات مستقلة، إنما طُبِّق بصورة الأكثري والمحادل في الساحة الانتخابية الشيعية، لا سيما في الجنوب والبقاع. وذلك بمنع أي لائحة معارضة للثنائية من الحصول على "حاصل انتخابي" يؤهلها لاختراق الثنائية ولو بمقعد واحد، كما رأينا. هذا الأمر لا يعود فقط إلى هيلمان الثنائية وامتلاكها أدوات الضغط والتأثير على الرأي العام (لا سيما الخدمات والمال الانتخابي، فضلاً عن وسائل الاعلام والسطوة الأمنية)، بل يعود أيضاً إلى تشتت المعارضة الشيعية، التي نزلت إلى الميدان بجهود وطموحات وتصورات وإمكانيات "فردية". وفي هذا الصدد سجّل المراقبون إخفاق هؤلاء المعارضين الشيعة في تشكيل تحالفات وازنة فيما بينهم أولاً، ومع آخرين تالياً. كذلك سجّل المراقبون دوراً ملحوظاً لبعض أحزاب اليسار اللبناني في تشتيت قوى المعارضة الشيعية.. وبالإجمال يمكن القول أن حزب الله الذي عطّل مزايا النسبية في بيئته الشيعية استطاع الإفادة من هذه المزايا في بيئات طائفية أخرى، ولو بصورة غير مباشرة. (ليس من الدقّة في شيء احتساب أي معارضة لتيار المستقبل أو للجنبلاطية – مثلاً – على أنها في صفّ حزب الله.. وإلا فإننا بذلك نستخدم مِعْياريَّة حزب الله نفسها).

 

ثانياً – وقائع المعركة ومؤشراتها في البيئة المسيحية.

 

● برز في الوسط المسيحي تقدّمٌ ملحوظ لفكرة "الثنائية" المؤلفة من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، مع احتفاظ حزب الكتائب اللبنانية بفسحة مستقلّ’ ضئيلة، وكذلك تيار المردة المناهض لتلك الثنائية. وبطبيعة الحال فإن صعود هذه الثنائية الحزبية، ذات الميول الاحتكارية الواضحة، غيّب بعض الوجوه المسيحية المستقلّة، وحتى بعض الوجوه التقليدية الوازنة، فيما تمكّن بعض التقليديين من الثبات بشقّ النفس (مثلاً: سقوط بطرس حرب في البترون، وفارس سعيد في جبيل – كسروان، وميريام سكاف وفتّوش في زحلة فيما صمد ميشال المرّ في المتن).

● إن تقدُّم فكرة الثنائية المسيحية هذه يعود عملياً إلى حصول القوات اللبنانية على (16) مقعداً في المجلس النيابي مقابل (8) مقاعد في المجلس السابق. هذا فيما حافظ التيار العوني على كتلة وازنة تضمّ (24) نائباً. وفي تقديرنا أن التقدُّم الذي أحرزته القوات يرجع إلى تظافر أربعة عوامل:

- القدرة على الإفادة من "النسبية" في الوسط المسيحي، الذي ما زال "تعدُّدياُ" رغم كل شيء.

- القدرة على مخاطبة وجدان مسيحي استقلالي، استناداً إلى رصيدها الـ14 آذاري، فيما لم تكن مضطرّة خلال الفترة الماضية إلى "تواطآت غير سيادية مكشوفة" (خلافاً للتيار العوني).

- بناء تحالفات انتخابية محسوبة، و"على القطعة"، بهدف الحصول على أكبر عدد من المقاعد. وهذا رغم ادعائها بـأنها بنت تحالفاتها على اساس الطرح السيادي... وبطبيعة الحال استفادت من تفاهمات شبه ثابتة مع "المستقبل" و"التقدمي الاشتراكي" حيث للصوتين السني والدرزي وزن انتخابي مرجِّح.

- وهناك عامل إضافي على جانب كبير من الأهمية، ومن طبيعة إيحائية نفسانية في الوسط المسيحي استغلّته القوات: فالخطاب التعبوي القواتي انطوى على إيحاء قويّ بأنها "الطرف المسيحي الجاهز – عند الضرورة – لاستخدام القوة، مقابل التشكيلات الطائفية الأخرى المسلّحة، لا سيما حزب الله"!.

● تشترك "الثنائية المسيحية" مع "الثنائية الشيعية" في غاية الخطاب الموجَّه إلى البيئة الطائفية لكلٍ منهما: "نحن نشكّل الضمانة الأكيدة للمحافظة على الذات الطائفية وتحصيل الحقوق". كذلك تشترك الثنائيتان في كون كلٍ منهما بين "إخوة وأعداء" (بالنظر إلى تاريخ الصراع بين طرفي كل ثنائية – تحضر هنا ذاكرة "حرب الإلغاء" في الساحة المسيحية، وذاكرة "حرب إقليم الخروب" في الساحة الشيعية.. وهما ذاكرتان ما زالتا شغّالتين في الدواخل!). ولكنّ الفارق بينهما جوهري: ففي حين أن الثنائية الشيعية مسقوفة بقرار ايراني ومحكومة بحسابات إقليمية، فإن الثنائية المسيحية "بلا سقف" وذات حسابات محلّية.. من هنا يمكن القول أن الثنائية المسيحية في واقعها الراهن هي "مشروع ثنائية لم يكتمل"، وهي قابلة لتحولات كثيرة. فإذا كان الخلاف داخل الثنائية الشيعية بقي مضبوطاً بدقة في الانتخابات الأخيرة، من دون إلغاء الهوامش المتاحة لكل طرف، فإن الخلافات الحسابية والتزاحمية داخل الثنائية المسيحية ظهرت إلى العلن في هذه الانتخابات، وبما يشبه "الطلاق" في بعض الأوقات.

● يبقى القول بأنه إذا كانت نتائج الانتخابات الأخيرة قد غيّبت المستقلّين في الوسط الشيعي، وبصورة كاملة، فإنها قد وجّهت إليهم ضربة قوية في الوسط المسيحي، مع الفارق المشار إليه أعلاه، والمتعلّق بالطبيعة "الرجراجة" للحالة المسيحية في هذه المرحلة، بالاضافة إلى أن واقع "التعدّدية" هو أكثر تجذّراً في هذه البيئة.

 

ثالثاً – وقائع المعركة ومؤشراتها في البيئة السنّية.

 

● يمكن القول بأن هذه الانتخابات شهدت تحولاً دراماتيكياً في الخطاب السياسي – الانتخابي لتيار المستقبل.إذ غادر المنطق العابر للطوائف والمناطق، الذي كان معتمداً لديه في دورتي 2005 و2009، لا سيما في أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لينكفئ على خطاب طائفي، بل مذهبي، دفاعي متشنّج، لم يختلف عن خطاب حزب الله من الموقع المقابل.هذا التحوّل مفهومٌ تماماً بلحاظ الحصار الاستثنائي الذي تعرّض له سعد الحريري قبيل "التسوية" الأخيرة وبعدها، بحيث هدّد زعامته جدياً. وفي مثل هذه الحالة تلجأ الزعامات اللبنانية، كل الزعامات تقريباً، إلى آلية دفاعية معروفة، هي اختزال الطائفة في حزبها، واختزال الحزب في زعامته، فتغدو المسألة وجودية ومصيرية بامتياز!.. وقد يمكن القول أن هذا التحوّل الدراماتيكي الذي طرأ على خطاب "المستقبل"، بمن فيه سعد الحريري شخصياً، يؤشر بقوة إلى تحوّل إجمالي في الحالة السياسية اللبنانية، بانتقالها من صراع خيارات كبرى، خصوصاً مع وقبيل انتفاضة الاستقلال 2005، إلى صراع كيانات طائفية – سياسية "من أجل البقاء"!.. لم يعد الصراع يدور حول "خيارات للبنان"، بل حول بقاء الطوائف بزعاماتها القابضة.. ولا نستثني حزب الله.

● من عادة "أهل السنّة والجماعة" في لبنان ألاّ يعدّوا أنفسهم "طائفة"، على غرار الطوائف اللبنانية المعروفة.. هذه المرة تحوّلوا إلى واحدة من (18)، بصرف النظر عن "العدد والمدد..".

● إذا سجّلنا هذه الملاحظة الأولية و"الفاقعة"، فهذا لا يمنع من القول بأن آليات الدفاع عن الذات التي استخدمتها الزعامة السنّية في هذه الانتخابات قد حقّقت غايتها، بما لا يختلف نوعياً عما حقّقته الثنائيتان الشيعية والمسيحية في بيئتيهما، وإن اختلف كمّياً. فنصاب الزعامة في البيئة السنّية ما زال لسعد الحريري، وإن لم يستطع إلغاء بعض خصومه، نظراً لعدم وجود "سلطة قابضة" في هذه البيئة، على غرار البيئتين الشيعية والدرزية، مثلاً. كذلك فإن قانون الانتخابات نفسه يتيح ما يسمّى "اختراقات" في هذه البيئة، خلافاً لما رأيناه في المعركة الشيعية.

● وإذا قلنا بـن نجاح مناوئين تقليديين للزعامة الحريرية في البيئة السنّية (ميقاتي، كرامي...الخ) يؤشر إلى عدم وجود سلطة قابضة، فإن فشل المعارضة من داخل تيار المستقبل (اشرف ريفي مثلاً) هو المؤشر الأبرز على واقع الحال.

● ومن المؤشرات الأساسية في الواقع السنّي، خلال هذه الانتخابات، هو غياب التطرّف العقائدي الأيديولوجي عن هذه المعركة، بما يدلّ على أن "الاعتدال" ما زال سيّد الموقف في هذه البيئة.

 

رابعاً – وقائع المعركة ومؤشراتها في البيئة الدرزية.

 

● لم تخرج النتائج عن المألوف والمتوقّع في هذه البيئة، خصوصاً لجهة ثبات الزعامة الجنبلاطية، بكل الهوامش التي اختارتها هذه الزعامة وأتاحتها لنفسها بنفسها، بما في ذلك هوامش المناورات والإيحاءات... وهذا تحت سقف الانكفاء الكبير على الذات الطائفية بعد العام 2008.

● مما يؤشّر بقوة على هذا الثبات، الذي يشبه المراوحة، واقعتان: انتقال الزعامة (أثناء المعركة) إلى تيمور جنبلاط بسلاسة فائقة، وعدم اضطرار وليد جنبلاط إلى التشنُّج الطائفي، لأنه في حِلٍّ من مواجهات جدّية مع "الخارج الطائفي". 

● هذه الوضعية المتجدّدة – وليست بالجديدة – تؤهّله للاستمرار في لعبته المفضّلة ("بيضة القبّان")، عندما يجد الوقت مناسباً، وإلا فبإمكانه البقاء جالساً على "ضفّة النهر".

 

خامساً – في وسط ما يسمّى "المجتمع المدني".

 

● هذا "المجتمع" غير المعروف وغير المعرَّف، لا عملياً ولا علمياً، كان هامشياً في كل المناطق.

● وإذ استنكف عن أي موقف سياسي، سوى شعار "كلًّن يعني كلُّنْ"، فقد ضاع في دوّامة الاستقطاب الطائفي والحزبي.

● قد يتمكّن هذا الوسط من الحضورمستقبلاً، شريطة أن "يُعرّف عن نفسه". ذلك أن المعروف والمعرَّف والمُعايَن هو "المجتمع الأهلي" بكل حساسياته، ومنها "الحساسية المدنية"...

 

II.  

خلاصات أوليّة

 

▪ الخلاصة الأساسية من وقائع ومؤشرات هذه المعركة الانتخابية، هي أن الحياة السياسية اللبنانية هبطت إلى ما دون "حالة وطنية".. بمعنى أن أداء واهتمامات وأولويات القوى الكبرى المشاركة فيها تصلح مقدمةً أو معبراً للانتقال من فكرة "العيش المشترك" إلى فكرة "المساكنة" الطائفيىة.

▪ إن انكفاء القوى السياسية الكبرى على ذواتها الطائفية ومصلحتها الحزبية يضع لبنان على كفّ عفريت الصراع الإقليمي، بلا قدرة على المشاركة في تقرير مصيره، لأنه يفتقر إلى الإجماع الوطني (هناك اهتمام فقط بالاجماع داخل كل طائفة)... من هنا يبدو خيار "التهدئة والتبريد" الذي يقترحه البعض أفضل المُتاح – إذا لم تواصل القوى معاركها البينيّة بعد الانتخابات – علماً أنه ليس بخيار حقيقي (هو بَدَل عن ضائع).

▪ على ما تقدّم فإن الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات هو "فكرة العيش اللبناني المشترك"، بكل محمولاتها التي لم تعد سوى ثرثرات على ألسنة "المحاضرين بالعفّة الوطنية"... أما القوى السياسية – الطائفية التي خاضت معركة "نكون أو لا نكون!"، فقد خرجت جميعاً رابحة، وفق تصوّراتها وأولوياتها، وليس وفق أولويات وطنية.

▪ تقديرنا أن أي جهد إنقاذي وفي الاتجاه الصحيح لا بد له من التزام ثلاث مرجعيات أساسية: أولاً اتفاق الطائف، واستطراداً الدستور اللبناني؛ ثانياً قرارات الشرعيتين العربية والدولية المتعلقة بسيادة الدولة اللبنانية؛ ثالثاً مشروع السلام في المنطقة.. خارج هذا الاطار لن يكون هناك سوى المزيد من الشيء نفسه...