تصحيح الخيار المسيحي اللبناني

1-    تجري الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان – إذا لم يحدث ما يعلّقها مجدداً أو يؤجّلها – في ظلّ غياب أو تغييب الترسيمة السياسية – الوطنية العامة التي حكمت انتخابات 2009، أي ترسيمة 14 و 8 آذار، بما كانت تعنيه من تباين الخيارات اللبنانية لدى الفريقين، والتي سرعان ما اتّصلت بأحداث المنطقة اعتباراً من العام 2011. وقد يصح القول بأن الأطراف الداخلية في الفريقين لم يقطع كل منها مع خياراته السابقة بصورة واضحة ومعلنة (كل طرف يؤكّد ثباته على أصله!)، وإنما حدثت انزياحات أساسية غيّرت من مشهدية الانقسام العامودي العام (تسوية رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة).

2-    نجم عن ذلك، كما قلنا، خَل۫طُ الآوراق السياسية والتباس المواقع بعضها ببعض. ولكن۫ رافقه أيضاً وخصوصاً بروز أولويّة لدى كل طرف من أطراف التسوية هي "تمكين الذات السياسية – الطائفية" في بيئته كما في المعادلة اللبنانية. وهذا التمكين يتراوح بين حدّين: حدّ أدنى، إنما مصيري، يرفع شعار الدفاع عن الوجود (جنبلاط والحريري مثلاً)، وحدّ أقصى يرفع شعار استرداد الحقوق (عون مثلاً). وقد يبدو "حزب الله" الطرف الأكثر ارتياحاً في المعركة، نظراً لاحتفاظه بامتيازات كثيرة ومعروفة، أكان على صعيد الدولة أو في مجال احتساب القوى وجاهزيتها. ولكن۫ لا بدَّ من القول أن هذه الامتيازات هي شرطُ وجود وليست كمال وجود.. بمعنى أنه إذا ما أُلغيت أو تناقصت إلى حدّ بعيد هدَّدت وجوده أو معنى وجوده، في نظرته إلى نفسه، وربما بنظرةٍ موضوعية.

3-     إن أولويَّة "التمكين أو التمكّن" المشار إليها، ومع التباس المواقع في المشهد السياسي العام، همَّشت فكرة المعارضة بمعناها السياسي – الانتخابي التقليدي (حكم – معارضة)، وبات المعارضون أو المعترضون كناية عن المتضررين أو المستثنين من التسوية الأخيرة ووعودها. وعليه فإن "المستقلّ" – أكان فرداً أو حزباً – إنما هو عملياً المستثنى من التسوية ووعودها الانتخابية. وعليه أيضاً فإن معركة كل مستقلّ هي مع السلطة السياسية – الطائفية القابضة في بيئته أو دائرته، وليس هناك على وجه الحقيقة والواقع معركة واحدة لجميع المستقلّين على مستوى الوطن، إلا من حيث الشكل غير الكافي. وهذه هي نقطة الضعف الأساسية لدى ما يمكن أن يُسمّى معارضة، خصوصاً أذا كانت أولويتها الوصول، أو استجداء الوصول، ومن دون وجود جامع حقيقي يرقى إلى مستوى الأطروحة الوطنية المشتركة.
 
4-    إن غياب الأطروحة الوطنية المشتركة لدى المستقلّين لا يعني أن لدى "فريق التسوية" أطروحةً واضحة، فضلاً عن أنه ليس بفريق واحد. وهذا بسبب انحدار الحالة السياسية اللبنانية في السنوات الأخيرة إلى ما دون المستوى الوطني، أي إلى المربَّعات الطائفية والحزبية والشخصانية. لذلك فإن العمل السليم، بما فيه العمل الانتخابي الضروري، يجب أن ينصبّ في هذه الفترة على تصحيح الخيار السياسي في كل بيئة طائفية، وفي ضوء ما آل إليه وضعها.. وهذا التصحيح مرتبط حكماً ببلورة الخيار الوطني على مستوى لبنان، والذي ينبغي أن يكون بدوره مرتبطاً بنظام المصلحة العربية وقضاياه الأساسية.

5-    لقد اخترتُ منذ مدّة العمل مسيحياً وفق هذا التصور، باعتباره الأجدى عملياً من وجهة نظري. وأنا ألتقي مع كل العاملين في طوائفهم وفق تصوّرٍ مشابه، بصرف النظر عن الأوزان والأحجام والإمكانيات المتاحة. وإنَّ دعم هذا التصوّر أو المنهج في كل بيئة طائفية من شأنه أن يُفضي إلى تشكيل قوة ضاغطة ووازنة في الاتجاه المطلوب على المستوى الوطني.. والأمر يحتاج إلى مزيد من التواصل والحوار والتنسيق، مع ضرورة وضع الإمكانيات في مواضعها الصحيحة.

6-    أخيراً، أعتقد بقوّة أن النجاح في تصحيح وتظهير الخيار المسيحي اللبناني، وفق نظام المصلحة العربية، من شأنه ان ينعكس بصورة مؤثرة، أن لم نقُل حاسمة، على موقف المسيحيين في كل المنطقة. ولنا في السقف المعنوي الذي يوفّره الفاتيكان مع كل حواضر الاعتدال في العالم الإسلامي خيرُ دعم وتبريك...

 

فارس سعيد