محمد شطح شهيداً.. القاتل يعود إلى باب الحريري

مقالات
28 كانون الأول 2013


الحريري و14 آذار: المجرم نفسه.. الهارب من المحكمة الدولية
        

نقطة سوداء جديدة على سطر الإجرام. قُتِلَ محمد شطح، ونقطة على السطر. نفّذ المجرم جزءاً من تهديداته، ونقطة على السطر. أُغتيل علم من أعلام الاعتدال والوعي، ونقطة على السطر. استهدف واحد من أبرز رموز الحركة الاستقلالية والسيادية، ونقطة على السطر. غُدِرَ بواحد من أبرز العقول السياسية والاقتصادية، ونقطة على السطر.
الوزير السابق الدكتور محمد بهاء شطح، أبرز مستشاري الرئيس سعد الحريري، انضم بالأمس مع رفيقه ومرافقه محمد طارق بدر وأربعة من عابري الطريق هم محمد ناصر منصور وكيفورك تاكاجيان وصدام الخنشوري (سوري الجنسية) ورابع مجهول الهوية، الى قافلة شهداء 14 آذار و"ثورة الأرز"..
اغتيل بواسطة سيارة مسروقة فُخّخت بنحو ستّين كيلوغراماً من المتفجرات عند أبواب "بيت الوسط" منزل الرئيس الحريري وعلى بعد مئات الأمتار من مكان اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005.. وعشيّة انطلاق جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في هولندا، وبعد سلسلة طويلة عريضة من التهديد والتهويل والتخوين إزاء قوى 14 آذار على خلفية الأزمة السياسية الطاحنة.
الرسالة الدموية مزدوجة وشديدة الوضوح، الى سعد الحريري والمجتمع العربي والدولي دفعة واحدة. أبرز مستشاري زعيم "المستقبل" للشؤون الديبلوماسية والاقتصادية والمكلّف بملف العلاقات الخارجية وأقرب المقرّبين إليه يُغتال على باب "بيت الوسط" حيث مكتبه الدائم ومقرّ عمله الذي أخذ منه في السنوات الماضية جلّ وقته ومعظم تفاصيل حياته. وكأن القاتل المجهول والمعلوم يقول عشية انطلاق جلسات المحكمة الدولية إنه غير آبه بها وللمجتمع الدولي إنه غير مهتم بردّة فعله على اغتيال شخص يعرفه ذلك المجتمع جيداً.. تعرفه دوائر صنع القرار ووزارات الخارجية ودوائرها الديبلوماسية العربية والأجنبية، بل وتعرفه المؤسسات والصناديق المالية الدولية معرفة تامة.. رسالة تحدٍّ "ناصعة" الإرهاب والدماء.
ثم أن الجريمة المتحدّية هذه، جاءت بعد أيام على كشف توجيه الرئيس فؤاد السنيورة رسالة الى الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني، فهل أراد فريق لبناني إيراني الرد بهذه الطريقة على الرسالة واستباق أي جواب محتمل من رئيس إيران؟.
الحريري
الرئيس الحريري الذي وصف الجريمة بأنها "رسالة إرهابية جديدة"، ووصف الشهيد شطح بأنه "غصن كبير يسقط من شجرة رفيق الحريري". أكد بوضوح أن الذين اغتالوه "هم أنفسهم الذين اغتالوا رفيق الحريري(...) وهم أنفسهم الذين يتهرّبون من وجه العدالة الدولية ويرفضون المثول أمام المحكمة الدولية(...) الذين يفتحون نوافذ الشر والفوضى على لبنان واللبنانيين ويستدرجون الحرائق الإقليمية الى البيت الوطني".
كما أكد أن "الموقّعين على الرسالة لا يخفون بصماتهم، ولن يتوقفوا عن سلوك طريق الإجرام والإصرار على جرّ لبنان الى هاوية الفتنة طالما هناك في لبنان من يغطّي هذه الجرائم ويطالب بدفن الرؤوس في الرمال ويبرّر انتشار السلاح وقيام التنظيمات المسلحة على حساب الدولة ومؤسساتها".
وقال الرئيس الحريري في مداخلة هاتفية عبر تلفزيون "المستقبل" مع الزميلة بولا يعقوبيان مساءً: "أتقدم بالتعزية الى زوجته وأولاده، الذين كان يذكرهم دائماً، ويذكر كم هو متعلق بهم، وخسارتهم اليوم لا تعوض. ولكن نحن كلنا سنقف الى جانبهم، ونحن وإياهم عائلة واحدة، وما أصابهم أصابنا وأصاب كل لبنان".
وأكد أن "ما حصل اليوم جريمة كبيرة ليست كباقي الجرائم، لأن استهداف محمد شطح، الذي كان الرأس المحاور للاعتدال، وكان يحثنا دائماً جميعاً سواء أنا أو الرئيس فؤاد السنيورة وكل كوادر "تيار المستقبل" على ايجاد وسائل الحوار لأننا كلنا نعيش تحت سقف واحد".
وشدد على أن "مسيرتنا معروفة، واتجاهنا معروف، والعمل الذي قام به الشهيد شطح لن يتوقف، كما أن مسيرة رفيق الحريري لن تتوقف. هم قتلونا وسيقتلوننا، لكننا لن نتوقف وسنكمل المسيرة لأن إيماننا بلبنان إيمان كبير جداً".
أضاف الرئيس الحريري: "من الصعب لأحد أن يوجد الأمل، وسمعت من ابن الشهيد أنه لا يرى حلاً في لبنان، ولكن الحل يمكن أن يصدر في أحلك الظروف، وإن شاء الله يتعافى لبنان فنراه كما كان يحلم به محمد شطح وبيار الجميل ورفيق الحريري".
وتابع: "محمد شطح شهيد لبنان، وشهيد كل اللبنانيين، والذي يتكبر علينا وعلى اللبنانيين لن يصل الى المكان الذي يريد، بل سيقع في النهاية "ويفك رقبته". نحن لسنا "حبتين" ولن نستسلم. محمد شطح لم يستسلم، ورفيق الحريري كذلك، وبيار الجميل أيضاً لم يستسلم، وكل ثورة الأرز لن تستسلم، وسعد الحريري لن يستسلم، وسنكمل المسيرة".
وزاد: "أقول لكل مناصري "تيار المستقبل" عليكم بالصبر والحكمة فهما السبيل الوحيد لكي نصل الى ما نريد . الغضب موجود وسيظل القلب المكسور مكسوراً، لكن الحكمة تقتضي أن نعود ونبني لبنان كما كنا نحلم به كلنا، وكما كان يحلم به شهداء ثورة الأرز والشهيد شطح وسنصل الى هذا الأمر".
وما إذا كان الاغتيال رسالة له كي لا يعود الى لبنان، أعلن الرئيس الحريري: "سأكون إن شاء الله بين ناسي وبين اللبنانيين في الوقت الذي أراه مناسباً. محمد شطح كان يقول لي "هلق مش وقتا" وأحياناً كان يشجعني على العودة ويقول لي " يلا رجاع" حين أرى الوقت مناسباً سأعود إن شاء الله".
ورأى أن "القتل هو جُبن، ولا يستطيعون أن يوصلوا الرسالة، يريدون أن يتخلصوا منا جسدياً وهذا يزيد من عزيمتنا كي نستطيع القيام بما استشهدوا من أجله، إن شطح أو كل شهداء ثورة الأرز".
وختم الحريري: "أعزي عائلة الشهيد شطح، وأقول لهم كل واحد فينا هو محمد شطح، محمد لم يمت سيبقى حياً فينا، وسنكمل المسيرة بإذن الله، ولا يظن أحد أننا خائفون، وإن شاء الله المحكمة الدولية آتية في 16 الشهر المقبل، وهذه بداية لسقوط المجرمين واحداً تلو الآخر، وهذا الأمر وعد للبنانيين أنهم سيرون أن لبنان الذي حلم به رفيق الحريري ومحمد شطح وجميع الشهداء سيصبح كما نريد".
وليلاً، لفت الرئيس الحريري في مداخلة هاتفية مع برنامج "كلام الناس" عبر قناة "أل بي سي" مع الزميل مارسيل غانم إلى أنّ "الجريمة التي ارتكبت في وسط بيروت كبيرة، فهي استهدفت شخصية معروف عنها الاعتدال والحوار".
وقال: "الشهيد محمد شطح كان مستشاراً لي ومستشاراً للرئيس السنيورة ولتيار المستقبل"، منوهاً بأنه "كان يحاول إيجاد التسويات من دون التخلي عن المبادئ"، وبأنه "كان رجلاً عصامياً يحب لبنان، وقد ترك كل شيء في سبيل العودة إلى لبنان لأنه آمن بهذا البلد الصغير الذي رأى أنّ اللبنانيين قادرون على العيش سوياً فيه".
وأضاف: "اغتالوه لأنه من 14 آذار، ولا أريد أن أغش أنفسنا وأغش اللبنانيين"، متوجهاً إلى الذين ارتكبوا الجريمة بالقول: "لن نتخلى عن مسيرة رفيق الحريري ومسيرة محمد شطح ولن نتخلى عن مبادئنا التي من المفترض أن تكون مبادئكم في حب البلد".
وفي معرض تشديده على أنّ "من يتم اغتيالهم هم شخصيات 14 آذار"، قال: "نحن لم نكن يوماً ضد الحوار، والشهيد محمد شطح كان من أوائل الداعين إلى الحوار في مقابل تحدي الطرف الآخر، وكان يقول يجب الحوار مع من نختلف معه، ونحن كنا جاهزين دوماً لذلك لكن يجب في المقابل أن يكون هناك من يقبل بالحوار ويؤمن به، وإذا اتفقت معه (على طاولة الحوار) أن ينفذ بنود هذا الحوار".
ورداً على سؤال، أجاب: "أنا اتصلت لأتكلم عن محمد شطح، بينما قوى 14 آذار تجتمع في هذه الأثناء للتشاور حول المرحلة المقبلة"، وأضاف: "اليوم فقدنا شخصاً عزيزاً على قلبنا، اغتياله لن يخيفنا ولا شيء سيخيفنا ولا شيء سيوقف المحكمة الدولية التي سنذهب إليها في كانون الثاني المقبل، بل على العكس من ذلك كنا نطالب في السابق بتأليف حكومة حيادية أما اليوم فقد نطالب بحكومة 14 آذار".
وأكد أنّ "اغتيال محمد شطح لن يذهب سدى، ومن يظن أنه سيغيّر المعادلات في لبنان بالسلاح لن يستطيع فعل ذلك"، وسأل "ماذا يريدون، هل سيقتلوننا واحداً تلو الآخر؟ فليجربوا، نحن قوى سياسية وسطية موجودون ولا أحد يستطيع إقصاءنا إلا رب العالمين ومن يريد أن يسمع فليسمع".
وأكد الرئيس الحريري الاستعداد للحوار "لكن على أن تكون له نتيجة، ولا نريد أن نضحك على أنفسنا وعلى اللبنانيين"، وختم بشكر "كل من تقدم بالتعزية في هذه اللحظة"، وشدد على كون "خسارة لبنان كبيرة" باغتيال محمد شطح الذي وصفه بـ"ابن البيت"، مشيراً إلى أنه كان على اتصال يومي به "لكن غداً وبعد غد لن يكون هناك اتصال بيننا، رحمه الله وحمى لبنان".
وبدورها أكدت قوى الرابع عشر من آذار في بيان تلاه الرئيس فؤاد السنيورة بعد اجتماعها في "بيت الوسط" أن القاتل هو نفسه الذي يوغل في الدم السوري واللبناني. والقاتل نفسه من بيروت الى طرابلس الى صيدا الى كل لبنان(...) هو وحلفاؤه اللبنانيون من درعا الى حلب الى دمشق الى كل سوريا". وأعلنت أن "الرسالة المكتوبة بالدماء وصلت، وجوابنا(...) لبنان باقٍ والطغاة الى زوال"، وقالت "سقط محمد شطح بيد المجرم الذي تعرفونه وتفكرون فيه وتؤشرون عليه. المجرم الذي يهددنا كل يوم. المجرم الذي لن ندعه ينتصر ولن ينتصر".
سليمان
وندد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بالجريمة الإرهابية معتبراً "أن هذا العمل الجبان ومهما كانت الرسائل التي يحملها ويوجهها لن تزيد اللبنانيين إلا إصراراً على الحفاظ على بلدهم واحة سلام واستقرار وحوار في وجه الإرهابيين الذين لا يعرفون سوى القتل والتفجير والتخريب وسيلة لإثبات وجودهم".
وإذ أبدى الرئيس سليمان أسفه لسقوط الضحايا الأبرياء جراء هذا العمل الإرهابي، دعا اللبنانيين، "الى التضامن والتكاتف والمساعدة في تشكيل حكومة جديدة تتولى مسؤولياتها الوطنية في هذه المرحلة، لافتاً الى "أن استمرار الوضع على ما هو عليه يضع الجميع أمام مسؤولياتهم وأمام التاريخ الذي لا يرحم".
وكان الرئيس سليمان ألغى كل مواعيد القصر الجمهوري وبقي على اتصال مع الوزراء المعنيين والمسؤولين العسكريين والأمنيين لمواكبة كل التفاصيل والعمل من خلال المعطيات والمعلومات المتوفرة على معرفة الفاعلين والمحرضين وسوقهم الى العدالة. وتلقى سلسلة اتصالات من مسؤولين عرب وأجانب أبرزها من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي ندّد بـ"الاعتداء الجبان" وأكد للرئيس سليمان "دعمه التام للحفاظ على أمن لبنان واستقراره" داعياً "كل الأطراف الى العمل على الحفاظ على وحدة البلاد".
الرئيس نبيه بري من جهته اتصل بالرئيسين الحريري والسنيورة معزياً ورأى في بيان "أن هذه الجريمة هي حلقة في سلسلة يبدو أنها طويلة لتحويل لبنان الى ساحة لتصفية الحسابات ومحاولة إيقاع الفتنة بين طوائفه ومذاهبه"، معتبراً أن "الإرهاب يضرب لبنان ومستقبله وليس تيار المستقبل فحسب(...) في الوقت الذي تضاعفت الجهود السياسية المبذولة للتوصل الى تشكيل الحكومة، في محاولة لزيادة تأزيم الأوضاع وتوسيع الشرخ بين القوى السياسية اللبنانية".
وكان لافتاً أن "حزب الله" وعلى غير عادته، سارع الى إصدار بيان عبّر فيه عن "إدانته الشديدة للجريمة النكراء" ورأى أنها "تأتي في إطار سلسلة الجرائم والتفجيرات التي تهدف الى تخريب البلد".
وفي سياق ردود الفعل العربية والأجنبية التي توالت تنديداً بالجريمة واستنكاراً لها، نقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر سعودي مسؤول إدانة المملكة للجريمة "وهذا العمل الإجرامي الجبان" مجدّدة دعوة "الأطراف كافة في لبنان الى الاستماع الى لغة العقل والمنطق وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الفئوية الضيقة". أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فقد أبدى قلقه "حيال أعمال الإرهاب في لبنان" ورأى أنها "تشكّل تهديداً حقيقياً لاستقرار البلاد والتلاحم الوطني"، وأكد في المقابل "الإصرار على الدفاع عن أمنه".
ودان وزير الخارجية الأميركية جون كيري "العملية الإرهابية" مشيراً الى أن "رحيل شطح خسارة للبنان والشعب اللبناني والولايات المتحدة الأميركية" ودعا الى "الالتزام باتفاق الطائف وإعلان بعبدا وقراري الأمم المتحدة 1559 و1701 حتى ينعم لبنان بالاستقرار".
كما دان مجلس الأمن بشدة "الهجوم الإرهابي" محذراً من أنه ـ"يهدف الى زعزعة استقرار لبنان" داعياً اللبنانيين "الى مواصلة احترام سياسة النأي بالنفس والامتناع عن التدخل في الأزمة السورية بما يتناسب مع التزامهم إعلان بعبدا".
التغريدة الأخيرة
الشهيد شطح كان في طريقه الى "بيت الوسط" للمشاركة في اجتماع كان مقرراً عند التاسعة والنصف للبحث في مشاريع طرابلس الإنمائية.. وقبل أقل من ساعة على اغتياله نشر تغريدة على موقع "تويتر" قال فيها "إن حزب الله يهول ويضغط ليصل الى ما كان النظام السوري قد فرضه لمدة 15 عاماً: تخلّي الدولة له عن دورها وقرارها السيادي في الأمن والسياسة الخارجية".
الانفجار حصل عند التاسعة وسبع وثلاثين دقيقة لحظة وصول سيارة الشهيد شطح الى قبالة مصرف عودة في مبنى "ستاركو" ونجم عن سيارة رُكنت الى جانب الطريق وكانت مفخخة بنحو ستين كيلوغراماً من المتفجرات، وهي من نوع (هوندا CRV) مسروقة منذ العام 2012 وتملكها المواطنة م.ش. من السعديات. وتم التعرّف على شطح من دفتر سيارته الذي وجد وقد احترق نصفه ويحمل رقم السيارة 364/ج وهي من نوع نيسان" (اكستريل) موديل 2011 وعليها اسمه الكامل محمد بهاء محمد إحسان شطح.
وذكرت مصادر أمنية أن السيارة المفخخة رُكنت قبل نحو ساعة من التفجير في موقع سيارة أخرى كانت تحجز لها المكان، تماماً مثلما حصل في جريمة اغتيال الشهيد اللواء وسام الحسن في الأشرفية في 19 تشرين الأول عام 2012.
جثمان الشهيد شطح سيشيّع بعد صلاة الظهر يوم غد الأحد في مسجد محمد الأمين في وسط بيروت وسيدفن قرب ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهداء.