محمد شطح شهيداً... إنها حرب الترويع مجدّداً

مقالات
28 كانون الأول 2013

بين رمزية المكان الذي اغتيل فيه مستشار الرئيس سعد الحريري الوزير السابق محمد شطح في قلب بيروت، والمكانة الكبيرة المرموقة التي يتمتع بها سياسيا وديبلوماسيا واقتصاديا، وكذلك اعلاميا، آخر ضحايا حرب الاغتيالات على قوى 14 آذار، صار الدكتور محمد شطح شهيد الاعتدال بحق على ما أجمعت عليه ردود الفعل الداخلية والخارجية متخوفة من ان يكون اغتيال هذا النخبوي التطوير الاشد قتامة لوسائل الترويع والترهيب الدموي.
ذلك ان اختيار مكان الاغتيال، وإن أملته على الارجح مراقبة بالغة الاحتراف لتحركات الوزير السابق، الذي عُرف بأنه من غير المتشددين في اتخاذ تدابير الحيطة والتحسب، نظرا الى صفاته وخصائصه البعيدة من عالم الامن، اكتسب بعدا شديد الوطأة باعتبار انه اغتيل في بقعة وسطية في قلب بيروت لا تبعد إلا مئات الامتار عن مكان اغتيال الرئيس رفيق الحريري امام فندق "السان جورج"، كما لا تتجاوز المسافة بين المكان و"بيت الوسط" مئات الامتار ايضا.
ثم ان الوزير السابق شطح الذي يعد منذ استقالة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة احد كبار المستشارين للرئيس الحريري، وهو الصديق الاكثر وثوقا ايضا للرئيس السنيورة، كان يشكل أحد الوجوه النخبوية المنفتحة والمعتدلة والمجرّبة، وصاحب باع طويل في العلاقات والخبرات الديبلوماسية والاقتصادية داخليا وخارجيا، ناهيك بمراس اعلامي جعله مقصدا للمنابر التلفزيونية والصحافية وخصوصا بعد اندلاع الحرب السورية.
ويمكن القول إن اغتيال محمد شطح بدا "حمال أوجه" ومتعدد الهدف، نظرا الى شخصه وموقعه الوثيق الصلة بالرئيس سعد الحريري من جهة، والظروف البالغة التعقيد والخطورة التي تُطْبق على لبنان من جهة اخرى. غير ان الطابع الأشد اثارة للخشية تمثل في ادراج الاغتيال في اطار تزامنين داخليين هما احتدام الانقسامات السياسية حول تشكيل حكومة جديدة، واقتراب موعد انطلاق المحاكمات في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه أمام المحكمة الخاصة بلبنان في 16 كانون الثاني 2014. وإذ برز هذان البعدان بوضوح كبير في ردود قوى 14 آذار على استشهاد شطح غيلة، تخوف معنيون من ان يكون اغتياله عنوان عودة الى حرب الاغتيالات التي استهدفت شخصيات سياسية ونيابية ورموزا أمنية في هذا الفريق منذ 2004 علما ان محمد شطح هو الشهيد الحادي عشر من صفوف قوى 14 آذار. وتساءل هؤلاء عما اذا كان هذا التطور الارهابي الدامي الذي حصل في قلب بيروت قبل أربعة أيام من انصرام السنة 2013 واضعا دمغة ارهابية كبيرة على خواتيمها ينذر بمطالع أشد قتامة للسنة الطالعة. وأي ضمانات سياسية او أمنية يمكن توفيرها لمنع الانزلاق نحو مراحل أشد خطورة ما دام استنفار عسكري وأمني غير مسبوق اتخذ منذ ليلة عيد الميلاد أمكن اختراقه امس ونفذت الجريمة الكاملة في قلب بيروت في وضح الصباح؟

الحريري و14 آذار
في أي حال، كان للاغتيال وقع الصاعقة على قوى 14 آذار و"بيت الوسط" الذي كان مقصده الاخير حين تمكن منه الجناة على الطريق الذي سلكه قرب مبنى "الستاركو". وصدر رد الفعل الاول عن الرئيس سعد الحريري الذي رأى "ان الذين اغتالوا محمد شطح هم الذين اغتالوا رفيق الحريري والذين يريدون اغتيال لبنان وتمريغ أنف الدولة بالذل والضعف والفراغ". وقال: "إنها رسالة ارهابية جديدة لنا (...) ارهابيون وقتلة ومجرمون يواصلون قتلنا امام بيوتنا ومكاتبنا وفي مدننا وساحاتنا وشوارعنا (...) إن المتهمين بالنسبة الينا وحتى اشعار آخر هم أنفسهم الذين يتهربون من وجه العدالة الدولية ويرفضون المثول امام المحكمة الدولية".
ثم أذاع الرئيس السنيورة من "بيت الوسط" محاطا بنواب وشخصيات من 14 آذار بيان نعي شطح ومما جاء فيه "ان القاتل هو نفسه الذي يوغل في الدم السوري واللبناني (...) هو وحلفاؤه اللبنانيون يستهدف أبطال لبنان منذ تشرين 2004 الى اليوم". وأضاف: "وصلت الرسالة المكتوبة بالدماء وجوابنا الى العالم والعرب واللبنانيين: لبنان الحرية والكرامة والعيش المشترك لبنان باق والطغاة الى زوال".
وقال مصدر في قوى 14 آذار لـ"النهار"، ان الردّ على الجريمة سيكون في "الحكومة والمحكمة". وعندما سئل عن امكان ايصال ملف الانفجار الى المحكمة الخاصة كما طالبت بذلك قوى 14 آذار، أجاب: "سيكون عبر الحكومة الجديدة". ولفت الى "ان اللقاء المفصل سيكون في 16 كانون الثاني المقبل موعد انطلاق محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه".
وفيما دعا رئيس الجمهورية ميشال سليمان المجلس الاعلى للدفاع الى اجتماع يعقد في التاسعة صباح اليوم أظهرت التحقيقات الاولية في الانفجار الذي أودى بالوزير السابق شطح ومرافقه واربعة آخرين ان سيارة مفخخة بنحو 60 كيلوغراماً من مادة "تي ان تي" من طراز "هوندا س ار في" موديل 2012 استخدمت في التفجير، وانها ركنت في مكان التفجير بعدما كانت سيارة اخرى حجزت لها المكان منذ الصباح. واذ يرجح ان يكون التفجير حصل من بعد، وزعت معلومات مساء عن السيارة المفخخة تفيد انها كانت مسروقة منذ 2012 من ساحل الشوف بعد ايام من سرقة السيارة الاولى ايضا.
ولفتت مصادر مواكبة للتحقيق الى شبه بين الطريقة التي نفذ بها الانفجار الذي استهدف الوزير السابق شطح والانفجار الذي استهدف اللواء وسام الحسن، وذلك من خلال استخدام سيارتيّن في كل من الاغتيالين، تولى الجناة ركن الواحدة منهما تلو الاخرى في مسرح الانفجار على ان تكون السيارة الثانية هي المعدة للتفجير.
ومن المقرر ان يقام تشييع رسمي وشعبي للوزير السايق شطح ظهر غد الأحد في مسجد محمد الامين في وسط بيروت على ان يدفن قرب ضريح الرئيس رفيق الحريري.

ردود دولية
وأثار اغتيال شطح ردودا دولية كان أبرزها بيان لمجلس الامن دان بشدة "الهجوم الارهابي في بيروت الذي ادى الى اغتيال الوزير السابق محمد شطح"، محذرا من انه يهدف الى "زعزعة استقرار لبنان"، ودعا جميع اللبنانيين الى "مواصلة احترام سياسة النأي بالنفس والامتناع عن اي تدخل في الازمة السورية بما يتناسب واعلان بعبدا"، كما طالب "بوضع حد فوري لاستخدام الترهيب والعنف ضد الشخصيات السياسية". كذلك ندّد الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون "بأقسى العبارات" لهذا الاعتداء وأعرب عن قلقه الشديد من اعمال الارهاب في لبنان "التي تشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار البلاد والتلاحم الوطني ".
وأفاد مراسل "النهار" في واشنطن، ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري استنكر باسمه وباسم الرئيس اوباما والولايات المتحدة "وبأقوى لهجة ممكنة الهجوم الارهابي المشين الذي ادى الى اغتيال الوزير اللبناني السابق محمد شطح في بيروت". وقال في بيان صدر باسمه ان حكومته "تدعم بشكل كامل نشاط المحكمة الدولية الخاصة وجهودها الرامية الى محاسبة المسؤولين عن هذه الاعمال التي تستحق الاستنكار والتي تسبب الاضطرابات". ووصف اغتيال شطح بأنه "خسارة مروعة للبنان وللشعب اللبناني وللولايات المتحدة”.
وذكر كيري بأنه كان يجتمع دائماً مع شطح خلال زياراته للبنان عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ، وان شطح "كان دائما يمثل صوت العقل والمسؤولية والاعتدال"، وان حضوره سيفتقد، "لكن رؤيته للبنان موحد ومتحرر من العنف المذهبي والتدخّل الذي يسبب الاضطرابات سوف تستمر في هداية جهودنا".
وكان شطح، قد اقام علاقات واسعة في واشنطن مع السياسيين والمحللين في مراكز الابحاث والاعلاميين خلال خدمته في واشنطن سفيراً للبنان اواخر التسعينات من القرن الماضي، وخلال عمله في صندوق النقد الدولي.
وشدد كيري على ان مثل هذه الأعمال "تعزز قوة التزامنا دعم قوات الأمن الشرعية والموحّدة في لبنان، مثل القوات اللبنانية المسلحة، وتبين أهمية التزام جميع الاطراف اتفاق الطائف واتفاق بعبدا وقرارات مجلس الامن الدولي 1559 و1710 وتطبيق الالتزام لكل مبادئها من اجل ان يصون لبنان سيادته واستقراره".